إهــداء
إلى كل مسلم عمومًا ...
وإلى كل متعاطٍ للمخدرات
خصوصًا ...
أهدي هذه الكلماتبسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله شديد القهر والسلطان، من أطاعه ضمن الأمان، ومن عصاه فقد باء
بالحرمان، وأشهد أن لا إله إلا الله دائم الخير كثير الامتنان، وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الخير وحث على الإيمان، وحذر من الشر والفجور
والطغيان، صلوات ربي وسلامه عليه في كل حين وآن، وآله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان. أما بعد:
فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقواه، وافتقروا إليه ولوذوا بحماه، واحذروا أسباب سخطه فإن أبدانكم لا تتحمل الجحيم ولظاه.
موضوع هذا الكتاب (ضحايا وآهات تحت أنقاض المخدرات).
حرقة دفعتني إلى كتابة هذه الورقات، وقصص ضحايا حاصرتني حتى استوقفتني
فاستنطقت مني هذه العبارات، فكان أمام ناظريك أخي القارئ هذا البحث
المتواضع محاولة مني لإنكار تعاطي المخدرات، وكشف شيء من أضرارها، وإنقاذ
من وقع في مستنقعها.
أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
سليمان بن عبد الكريم المفرج
إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
الجوف – دومة الجندل
تحريرًا في غرة شهر رجب 1423هـ
بين يدي الحديث
لقد انتشر تعاطي المخدرات في أوساط بعض الشباب لا سيما المراهقون منهم،
ووصل بعضهم إلى حد الإدمان عليها، فسيطرت على عقله وسلبت إرادته، فهوى من
حيث لا يدري، ووقع من دون سابق إنذار.
لقد ضُربت الأمة الإسلامية ضربة موجهة، ولويت من اليد التي تؤلمها، فها هي
تُحارَب في عقر دارها بسلاح خطير، فشلت جزءًا من يدها فكأنها رجل ضرير، لا
يستطيع أن يسير، ما هي هذه اليد؟ إنها الشباب الذين هم عماد الأمة ودرعها
الواقي كما يقال، نعم هذا هو المؤمل، وهذا هو المنشود، ولكن في ظل التعاطي
للمخدرات سقطت بعض الأعمدة، والساقطون في أوحال هذه المصيبة ليسوا بمنأى
عنا، إنهم من أبنائنا وفلذات أكبادنا، غرَّر بهم حثالة من عباد الله،
واستدرجهم ثلة من النشاز لا أكثرهم الله، طائفة لا ترحم صغيرًا ولا كبيرًا،
لا همَّ لهم إلا كسب المال وتعبئة الجيب بالحرام، إنهم المروجون لهذه
السموم الفتاكة، إنهم الراقصون على جراح الأمة، لا يهمهم إلا حقن الشر في
الأوردة، يرمون بالداء وينسلون ويشعلون الشرارة ويجرعون غيرهم المرارة.
فخدعوا المتعاطي وقالوا: المخدرات مجرد إبر وحبيبات أو شيء في المشروبات
تجدد الطاقات، وتجعل الدنيا مليئة بالأمنيات وأحلام اليقظات تبدد الظلام،
وتزيل الأوهام، ولكنهم أخفوا أنها تجر الويلات، إنها طريق الهلكات، جحيم
وحسرات، ضياع ومتاهات، همٌ وكدرات، ديون وآهات، قتل وانتهاكات، أمراض
ووفيات، عبرة وزفرات، سجون وعقوبات، ظلمة بل ظلمات، والنتيجة ضحايا أبرياء
وبريئات.
المخدرات عاش جحيمها البنين والبنات، وتلوع بمرارتها الآباء والأمهات، فكم
من أب عقه ولده بسببها، وتعرض للإهانة والمشاكل على إثرها، وكم من أم
مسكينة ذرفت عينها على خدها وَجْدًا على فلذة كبدها، وتقلبت على الفراش لا
يغمض لها جفن، ولا يقر لها قرار بسبب تصرفات ولدها، وكم من أخ توارى عن
الأنظار خوف الفضيحة والعار على أنقاضها، وكم من ابن بريء تجرع غصص أفعال
والده اللامسئولة فعاش اليتيم دون فقد الأب، وقاسى الحرقة منذ نعومة الظفر،
وكم من بنت ماتت ولا تزال حية، وكسرت وهي لا تزال غضة طرية، وكم من زوجة
هي أرملة بسبب موت قلب زوجها المدمن، تارة تضرب وتارة تذل، تتمسك بزوجها
لأجل أطفالها، فلا يجدي النياح ولا العويل.
كل هذا بسبب الانحلال وتعاطي الوبال، فمن المسؤول عن هذه المواجع؟! ومن الذي يخاطب ليغلق الباب الذي أقض المضاجع؟!
الواقع يا إخواني أليم، والخطب جسيم، فخذوا هذه الأنات لتعلموا حجم المشكلة
وعظم الفاجعة فماذا أقول؟ إن المعاناة تتألف من عدة فصول، وضحايا القتل
والاغتصاب ما الذي يعيدها بعد الأفول؟، إن الصوت يتحشرج، ونياط القلب تتقطع
لهول الجرائم البشعة التي خلفها دمار المخدرات وبراثن أهل الشر الذين لا
قلب لهم ولا عقل ولا ضمير.
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلامُ
ضحايا أبرياء
مدمن مخدرات فقد حنان الأبوة وتنكر للعشرة، فزاد مرة في الجرعة، فأقدم على
قتل زوجته فاطمة وابنته سلمى وعمرها سبع سنوات وابنه محمد وعمره خمس سنوات،
وقطع يد ابنه الصغير الذي عمره ثلاثة أشهر ، ومن ثم قام بالتمثيل بجثثهم،
وتقطيع أجزاء من أعضائهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أيعقل هذا التصرف؟!
وهل يتأتى من إنسان به عقل؟! تُرى من السبب وما جرم هؤلاء الأبرياء؟! لك
أخي أن تتساءل: كيف كان شعور هذا الرجل بعدما فاق من نشوة السكر؟! إنه مات
موتتين قبل موتة القصاص، فأولها موتة فراق رفيقة الدرب وشريكة العمر، وكذلك
ذبول زهرة الحياة وجمارة الكبد وهم الأطفال، والثانية موتة انتظار السيف،
والثالثة زهوق الروح، والأعظم من ذلك كيف يلاقي ربه، فإنا لله وإنا إليه
راجعون.
وهذه ضحية أخرى من ضحايا المخدرات، تشرق الشمس في الصباح فيكون الناس على
موعد مع النور والضياء إلا هذه الزوجة المسكينة وأطفالها، فهم على موعد مع
زائر آخر إنه قريب لكنه شبح إنه زوجها، دخل دون إحساس ولاشعور ولا شفقة ولا
رحمة، انزوت هي وأولادها في زاوية من زوايا البيت الذي سجَّل فصول المأساة
أقبل عليها، فرأت الشيطان في عينيه، وشمت رائحة الموت تنبعث من أنفاسه،
توسلت إليه بعدما ضربها أمام أطفالها، بكوا لكن البكاء لا يجدي هذه المرة،
قاومت الزوجة شدة الضرب، والأطفال يقاومون ، تقطع نياط القلب، لكن الضعيف
سيعجز عن المقاومة، بكت المسكينة وبكت ، وهو لا زال ينهال عليها ضربًا وبكل
جنون، حاولت الهرب ولكن أين المفر، إنها لا تقوى على الحراك، حاولت جاهدة
أن تمسح دمعات أطفالها وتلامس براءة أجسامهم لكن الصاعقة مزقت الحشا فأسلمت
الروح إلى الباري، انكب الأطفال أماه أماه أماه، عبثًا تحاولون لقد
تخطفتها يد المنون على يد أب عربيد مجنون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إن
اللسان يتلعثم وهو يسوق مثل هذه القصص، وإن القلب يكاد يقف عن النبض وهو
يتجرع تلك الغصص.
يا صاحبي ماذا جرى
أوَما ترى ما قد أرى
إني دهشت لمشهدٍ
من عجبه يبكي الورى
بعد هذه القصص إني لأستغرب من امرأة تعلم أن زوجها مدمن مخدرات وتعيش معه
قريرة العين، تستر عليه وتؤويه. نعم الستر مطلوب ودرء المفسدة مرغوب، ولكن
إلى متى الستر إنه ينقلب إلى تستر؛ لأن هذا الزوج وبال على المجتمع بأسره.
وهذه ضحية وليست أي ضحية، إنها أمٌ تحكي مأساتها بالدموع، يروي هذه القصة
أحد الدعاة فيقول: قالت الأم: توليت تربية ولدي تربية صالحة ولم يكن يعرف
إلى غير المسجد والعمل طريقًا، ومن خلال دخوله وخروجه من العمارة التي نسكن
فيها كان يمر على أحد الأدوار التي يسكن فيه مجموعة من الشباب المنحرفين،
فأخذه دافع الخير والنصح لهم فطرق عليهم الباب ، وحثهم على الصلاة، فطلبوا
منه أن يمر عليهم فرضًا غير هذا ليتهيئوا، وفعلاً جاءهم فطلبوا منه أن يقعد
وينصحهم حتى وقت إقامة الصلاة ففعل، ومع مرور الأيام حان وقت الإقامة مرة
فطلبوا منه أن يصلي بهم في نفس السكن المشحون بالحشيش والمخدرات والروائح
الكريهة، فما كان منه إلا أن انساق معهم في جلساتهم وسهراتهم وتضييعهم
للصلاة.
فأصبح مدمنًا للمخدرات، وتمضي الأم قائلة: لاحظت تغيرًا جذريًا واضحًا في
حياته، سهرٌ إلى الفجر، وتضييعٌ للصلاة، فنصحته ووجهته وكان يدعي أنه يذهب
إليهم ليرشدهم، فانجرف معهم أيما انجراف حتى إني بدأت أخاف على نفسي، وفي
ليلة من الليالي جاء في وقت متأخر وطرق الباب بقوة، نظرت من ثقب الباب فإذا
به قد أرعد وأزبد وأخذ يرجف الباب كالوحش ، ولكن لم يستطع الدخول، ثم
انقطع صوته فأشفقت عليه وأنستني رحمة الأمومة وحنانها ذلك كله، فما كان مني
إلا أن فتحت الباب فإذا به مختبئ خلفه، ثم أخرج سكينًا معه ، وقام بدفعي
بقوة، فظننت أنه يريد قتلي ، ويا ليته أراد ذلك، فالموت أحب لي مما ينوي،
حاولت التهرب منه فإذا به يمزق ثيابي حتى أصبحت عريانة فعرفت أنه يراودني
عن نفسي، قمت بكامل قوتي المتهالكة لرفعه ، ولكن لم أستطع أمام وحشية
الإدمان والشباب العنفوان، ذكرته بالله، خوفته بعذاب الله، قلت: أمك
حملتك،أرضعتك، سهرت لأجلك، أعطيتك، ربيتك خُذ كل شيء ، ولكن ما كان منه إلا
أن غلبته نفسه وهواه والشيطان والإدمان ، فقام ففعل بي الزنى، لا إله إلا
الله ، إيه يا قلب تقطع، ويا نفس موتي، ولا يحدث بك ما رأيت، فحسبي الله
ونعم الوكيل.
وهذه مأساة أخرى، رجل أدمن على المخدرات فوقع ضحية افتراسها، وأنشبت فيه
مخالبها فلا يستطيع العيش بدونها، فقد الرجولة والنخوة والمروءة، وذات يوم
انتهى الحشيش الذي يملكه وإذ برفيقه المروج والممون له ولغيره من الفسقة
يطرق الباب، فأدخله وطلب منه حشيشًا ، فاستغل المروج تلك الفرصة فقال: ماذا
تعطيني؟ وكم تدفع؟ فقال الرجل: أعطيك ما تريد المهم أن تعطيني حشيشًا، وفي
هذه اللحظة تدخل بنت الرجل صاحب البيت وعمرها سبع سنوات لتقدم العصير
لأبيها وللضيف المجرم، فقال المروج: أريد هذه البنت، ما الذي جرَّأه على
ذلك؟! إنه الأب فاقد العقل، الديوث بسبب المخدرات، فقام الأب وأمسك بنيته
المسكينة وخلع ثيابها وكتفها وهي تصيح يا أبي: إني بنتك، وقام الضيف ففعل
الفاحشة بها، (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(
[التكوير: 8، 9].
وهذه ضحية أخرى نشرت قصتها جريدة الجزيرة في عددها الصادر في يوم الأحد التاسع والعشرين من شهر رجب من عام 1423هـ.
سادت الدهشة والذهول والخوف سائر أرجاء تلك المحافظة التي عاشت تفاصيل
المأساة، وهي حادثة القتل الشنيعة التي ارتكبت في الصف الأول من المسجد
وأمام محرابه. فبينما كان الجميع يستمعون إلى خطيب المسجد بعد أن بدأ
الخطبة في أحد المساجد، دخل شاب يبلغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، ليتقدم
ويجلس بجوار والده الذي كان يجلس في الصف الأول من المسجد وأمام محرابه
حيث اعتاد أن يذهب إلى الصلاة باكرًا.
كان الوضع لدى المصلين يعتبر عاديًا، فلا ضير أن يجلس ابن بجانب والده في
المسجد، خاصة وأن الأب كبير في السن والابن في سن الشباب، فلعله يريد أن
يساعده بعد الانتهاء من الصلاة ويقوده إلى منزله، لكن المفاجأة التي هزت كل
من حضر أو سمع، أن يقتل ابنٌ أباه في بيت الله، كانت المفاجأة أن أخرج
الابن سكينة من جيبه محتضنًا أباه وكأنه يودعه الوداع الأخير، موغلاً
السكين في ظهر أبيه، بثلاث طعنات نافذات، أودت بحياته في الحال، وأنهت
تفاصيل أكبر عقوق.
بعدها حاول الابن المجرم العاق الجاني الهروب من المسجد ، لكن أحد المصلين
تصدى له وأمسك به وقام بتسليمه إلى الشرطة، وبعد التحقيق وُجد أن الجاني
مدمن مخدرات، وقد سبق وأن فُصَلَ من عمله بسبب ذلك، فيا لها من فاجعة
كبيرة، ويا لها من حسرة عظيمة.
هذه القصص أمثال، ولا زال الكثير في البال، ولكن يكفي من القلادة ما يحيط بالعنق، ومن السوار ما يستدير على المعصم.
كان الله في عون من قاسى حرارتها، وتلظى بجحيم مرارتها، إن الواقع مؤلم، وما خفي كان أعظم.
من أضرار الخمور والمخدرات
أما عن أضرار الخمر فماذا تتوقعون مما وصفها الله بالرجس بقوله: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ( [المائدة:
90]. ووصفها رسوله ( بالخبث بعد اللعن بقوله: «الخمر أم الخبائث، مفتاح كل
شر» [رواه الحاكم].
وقوله (: «لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، وشاربها
وآكل ثمنها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها ومستقيها» [رواه أحمد].
إنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتغتال العقل، وتفسد الطبع، وتهتك الستر،
وتجرئ على المعاصي، وتزهق المروءة، وتدعو إلى الزنى ولو بالمحارم، وتذهب
الغيرة، وتوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتفتك بالصحة، وتسلب الإرادة،
وتؤدي إلى الفقر والسرقة والكذب، وتحطم القيم والأخلاق، وتشتت الأسر، وتهدر
المال، وتسبب الغضب والانفعال والسفه والطيش والكآبة والطرد من رحمة الله
وعدم دخول الجنة، وصاحبها كالبهيمة جسد بلا روح، شكل بلا عقل، متخبط في
الأقوال والأفعال، هذيان وغثيان وعدم اتزان، واحمرار في الأعين والأجفان،
ضعف مناعة، وأمراض قلب وسرطان، وعرقلة لوظائف أجهزة الجسم. وغيرها كثير لا
يتسع المجال لذكرها، وهي على كل حال لا تخفى على أحد، فهي تقتل في الإنسان
كل صفة حسنة، وتقربه من كل صفة سيئة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر.
أخرج النسائي وابن حبان أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبًا فقال:« أيها
الناس، اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث، وإن رجلاً ممن كان قبلكم من العباد
كان متعلقًا قلبه بالمسجد، فلقيته امرأة سوء فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل،
فأغلقت الباب وعندها خمر وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسًا
من هذا الخمر أو تواقعني أو تقتل الصبي وإلا صحت وصرخت وفضحتك، وقلت: دخل
علي في بيتي، فمن الذي يصدقك؟! فخاف الرجل وضعف وقال: أما الفاحشة فلا
آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسًا من الخمر فقال: زيديني فزادته ،
فوالله ما برح حتى واقع المرأة وقتل الصبي، فاجتنبوها فإنها أم الخبائث،
وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إلا يوشك أحدهما أن يذهب
بالآخر».
ولقد كانت الخمر تسمى عند العرب في الجاهلية السفيهة والمؤذية والقبيحة، لا
يشربها عقلاؤهم، ولا يتعاطاها حكماؤهم، وكثير منهم حرَّمها على نفسه.
صورة حية
سار في الدرب وحيدًا ...
كلما مر به يوم من العمر مضى من بعده مستقبلاً يومًا جديدًا...
وتمر السنوات...
جمع الأموال حتى نال منها ما أراده "وزياده"...
وإذا أطلقها تمضي وتأتي مشتهاها..
سار في إثر خطاها..
قائلاً: إيه إن الأنس في درب الدعارة..
إنه دربٌ مليء بالإثارة..
وله جو مشوب بالحرارة...
تنعم النفس بلا قيد فما وجه القذارة؟!
عاش أيامًا طويلة ..
هذه تغري وكم من غيرها تبدو جميلة..
كانت المتعة في وفرتها تبدو قليلة...
قط لم يرو غليله ...
نفسه التعساء ما زالت عليلة..
زوجه في البيت تشكو من جفاه
وتعاني ما تراه
لم تجد في بيته طعم الحياة
صرخت في وجهه أنت قد فارقتنا منذ زمان
جثة لا روح فيها لا حنان
غادر البيت ولم يأت المساء
واختلى بالندماء
رفقاء الشقاء
وشكى الحال فقالوا: إن تجد فيها لما تأمر طاعة
واصطبارًا وقناعة
أو فطلقها ولا تصبر عليها بعض ساعة
بدأ التفكير في هذا المساق
هل سيكون الحل حقًا في الفراق؟
من سيرعى بعدها طفلاً صغيرًا؟
من سيحنو فوقه عطفًا إذا اشتد بكاه؟
من سيرويه حنانًا وأمانًا من شذاه؟
أين جاهي أين هذا المال في وجه العذاب؟
هل تولى كل شيء كالسراب؟
أيها المهموم حاول
ضاعف البحث عن العيش الهني
لا تخف أي مقابل
إنهم قالوا بأن الخمر تجلو كل غمة
وهي خير من فراق الطفل أمه
ومضى يتجرع كاسات الضياع
همه يزداد يومًا بعد يوم، ليس في الخمر متاع وانتفاع
هاهنا اختل نظامه
صارت الدنيا كما الليل أمامه
طالعته المشكلات
أثقلته التبعات
وتولى خطوات
زادت الفرجة عن أمس اتساعًا
ابنه ... زوجته بالفقر ضاعا
لم يعد يملك في الدنيا متاعًا
كل شيء قد تداعى قد تداعى
صار ممقوتًا ومديونًا وبين الناس محرجْ
ذلك العمر المبهرجْ
قد تدحرج قد تدحرج
بدأ التفكير يرجو أي مخرج
إن في الموت لهذي النفس راحة
إنها في الانتحار
هل تراني سوف أنسى الهمَّ بعده؟
هل تراني أجد البهجة عنده؟
لا. فابني سيضيع
وإذا عاش يتيمًا من سيرعاه؟
وهنا رقَّت النفس وجاشت بالبكاء
جاءه في هذه اللحظة بعض الأقرباء
إيه ماذا بك تبكي؟ فيقول
كيف لا وقد ضاع مالي وعزي وملكي ومري
مضى في همه ينشد حلمه
غير أن الدهر قد قاومه من غير رحمة
راحتي في الموت دعني أقتل نفسي
حبذا أُلقي على طفلي قبل الموت نظره
ضمَّه في عطف وحنان
ثم راحا يبكيان
وهنا دوى صوت الأذان
أقبل الناس إلى المسجد من كل مكان
دخل المسجد والناس ما بين ساجد وراكع
وهنا من يتلو القرآن والآخر سامع
إنه يشعر بالأنس ويغشاه الأمان
وتلاشت هاهنا أوهامه مثل الدخان
هاهنا الراحة لا توجد في أي مكان
ثم قاموا للصلاة
إنها فاتحة العمر وميلاد حياة
والدموع صبغت خده ومحياه
والنشيج لا تكاد تسمع إلاه
خرجوا بعد الفريضة
إيه كم ضيعت عمري كالسراب!
كم تجرعت العذاب!
كم تحملت الصعاب!
تبًا لك من حبة صغيرة ولكن لك ألف ناب
فتح الباب فألقى بنفسه بين يديها
راح يبكي كالصغير
ذهلت الزوجة ذلك الجبار يبكي!
نظرت فيه وقالت: ما الحكاية؟
ومضى في غبطة يروي لها ما قد عزم
قد بدا منه الندم، قد بدا منه الندم
وأصاخت تسمع أحلى حكاية
شرح الله فؤادي للهداية
وانتهى عهد الغواية
غير أني هذه المرة لي أقدس غاية.
إنها صورة مليئة بالأشجان، تروي
المآسي تارة وأخرى تحكي دموع الإيمان، إنها تكشف صفحات الألم المحرق، وتعود
لتبدد الظلام المطبق لتجلو نور الأمل المشرق.
كثيرٌ هم الذين يسيرون في دروب الحياة يفتشون منحنيات الطرق ومداخل الأزقة
بحثًا عن السعادة، فيقفون عن البحث إذا توافر المال أو حازوا السيادة ظانين
أن هذا هو آخر المطاف، والتفتيش عن غيره إسفاف، وبهذا التفكير الخاطئ
حاولوا أن يمتطوا ظهر كل شيء، ليصلوا إلى الغاية المنشودة، فإليها كيف
يصلون؟ وعن طريقها كيف يكسبون؟ ثم ماذا؟ كان من الوسائل للوصول ذالكم السم
الوبيل (المخدرات) وبئس السبيل فتعاطوها وأدمنوها وروَّجوها وهرَّبوها
فكانت السيادة الموهومة والأموال المشوبة.
نعم نالوا ما يريدون ولكن بصورة مؤقتة، ثم أصبحت حياتهم مشتتة، فطريق
المخدرات أوله دلع، وأوسطه ولع، وآخره هلع، ضياع وانحراف، فساد وانجراف،
فشل ورذيلة، عذاب وجريمة.
هذا سلاح من الأعداء غايته
ألا تعود إلى أمجادها النجب
كم حية صغرت في حجمها قتلت
حرًا وأرخص في تهريبها الذهب
ومنهم من يتدارك الأمر ويحاسب نفسه بقية العمر.
أي يوم من الموت أفر
يوم لا قدر أو أمر قدر
يوم لا قدر لا أرهبه
ومن المقدور لا ينجي الحذر
فعاد إلى الله القلب الصغير، وبكى على الماضي المرير، طالبًا الصفح من المولى القدير.
إلهي لا تعذبني فإني
مقر بالذي قد كان مني
وما لي حيلة إلا رجائي
وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في البرايا
وأنت عليَّ ذو فضل ومنِّ
إذا فكرت في ندمي عليها
عضضت أناملي وقرعت سني
فوجد التائب السعادة، وتلذذ بالعبادة، ومني العاصي بالشقاء، ولا زال يبحث عن المال والسيادة.
أسباب تعاطي المخدرات
ما شُربت الخمور فجأة، وما انخرط في سلك الإدمان شاب في لحظة ، إنما وراء
ذلك أمور كثيرة، فتعالوا بنا لنعرف أسباب التعاطي لنحاول إغلاق باب المآسي:
السبب الأول: وهو أعظمها، ضعف الوازع الديني، فبالدين نحافظ على أنفسنا
وأعراضنا وأموالنا، وبالدين تصلح حياتنا وبالدين نختلف بل نتميز عن غيرنا
ممن كفروا بالله ربنا، وبالدين نعيش سعداء متحابين.
فإذا ضاع الدين لدى الإنسان فليبشر بالتعاسة والحرمان والذل والهوان. لما
كان للمدمنين نصيب من الإيمان كانوا في عزًّ وأمان، وفي راحة واطمئنان،
ولكن لما ضعف دينهم أصبحوا عبيدًا للشهوة، مرضاء غفلة، تنهشهم الفتن من كل
مكان، بحثوا عن السعادة جاهدين فما وجدوها بزعمهم إلا عند حفنةٍ من
المروجين، فباعوا دينهم بدنيا، وآثروا المعصية على التقوى، وكل جرح يندمل
إلا جرح الدين.
وكل كسرٍ لعل الله جابرهُ
وما لكسر قناة الدين جبرانُ
وصدق رسول الله (: «... ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
نشرت جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الثلاثاء العاشر من شهر رجب 1423هـ
قصة رجل مدمن حللته المخدرات من دينه، ونكصته حتى تجرد من إنسانيته، تروي
القصة زوجته المحطمة فتقول بعد أن كتبت بالدموع كلامًا طويلاً تسوقه من
داخل إحدى المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان. تزوجته وكدت أطير من
الفرحة وسط سعادة كبيرة غامرة، كان مشهودًا له بطيب القلب ودماثة الخلق
والتمسك بالدين، وأنجبنا أطفالاً، ولكن دخل علينا داخل نغَّص علينا الحياة
الهانئة فجعلها حياة عائمة، إنه داخل الشر الحشيش والمخدر، ووجدت حبوبًا
تحت الفراش جعلت الشكوك تساورني، أصبح يخرج كثيرًا من البيت، ويوهمني أنه
لأجل المصلحة بأعذار غير مقنعة، وذات يوم مرضت ابنتي الصغيرة فلم أجد بُدًا
من الذهاب بها إلى المستشفى بنفسي، وعندما توقفت عند موظف الاستقبال لأخذ
البيانات وتسجيل اسم ابنتي ظهرت علامات الدهشة على وجه الموظف، وبعد أن
سألته قال لي: اسم والد ابنتك يشبه اسم مريض موجود لدينا في المستشفى فصممت
أن أراه وفعلاً رأيته ويا ليتني ما رأيته، لم أتمالك نفسي فغبت عن الوعي
والناس من حولي، لقد رأيت زوجي مدمن مخدرات يهذري بإيه وهات، ظللت مع ابنتي
بعد أن نوَّمت في المستشفى، وبقية أولادي عند إحدى عماتهم، وكانت العمة
تلاحظ أن زوجي يصر على أخذ إحدى البنات لتؤانسه في البيت، وتقطع الغربة
التي هو فيها كما يقول، وتكرر أخذه لها وذات يوم أرسلت إخوتها لإحضارها من
عند أبيها لأنه لم يرجعها إلى بيت العملة ليلتين متتاليتين، ولكن حدث ما
يهز الوجدان، ويكسر الخاطر والجنان، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد وجدوا
أختهم في أحضان أبيهم يفعل بها الفاحشة – الله أكبر – أب يزني ببنته، إنها
المصيبة يا إخوان، صدم الأطفال وانقلبت بعد ذلك حياتهم ولم يفيقوا إلا وهم
في أحضان المخدرات مدمنين منحطين، أما أنا فقولوا علي السلام، وإن مت
فدعواتكم لي بالرحمة والغفران، ويا ليتني أموت اليوم قبل الغد من هول
المصيبة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أرأيتم إذا ضاع الدين هان على الإنسان فعل كل مشين، فخذوا العبرة والعظة
واحذروا الصدمة فإنها مؤلمة، وربوا أولادكم على الدين، خذوا بأيديهم إلى
المساجد، اجلسوا معهم وعلَّموهم ما ينفعهم حتى يشبوا صالحين.
السبب الثاني: رفقاء السوء، فهم رأس كل أذية، وأساس كل بلية، يصحبون
فيسحبون، ويضيعون ويضحكون، رفقاء السوء قوم خبثاء الطبع منتكسي الفطرة
يدسون السمَّ في الدسم، ويجرعون غيرهم الألم.
اسألوا كل مدمن للمخدرات ما السبب في تعاطيك؟ وما الذي سوَّد ماضيك؟ سيقول:
إنهم رفقاء السوء، سوسٌ ينخر في المجتمع – لا كثرهم الله – فشلوا في
الدراسة، وتقهقروا في الوظيفة، وانتحلوا كل صفة ذميمة، فغشوا وسرقوا
وأدمنوا وزنوا وقتلوا، يهدمون في أيام ما يبني في أعوام، لعل المدمن عندما
تسوء به الحال يرجع فكره الوراء فيتذكر يوم كان في سعادة وراحة بال، لا
هموم ولا مشاكل ولا ديون ولا أمراض.
ثم لَّما صاحبهم بدأت حياته تتدهور، فأغروه بالدخان ثم بالمخدرات ثم عقوق
الوالدين، والخروج من البيت ومحاولة إيجاد المال ولو عن طريق الحرام، وهكذا
بدأ مسلسل الضياع، وربما سالت دمعته على خده وهو يستعرض شريط حياته
المأساوي، وربما أتى اليوم الذي يعض فيه أصابع الندم، عندما يدخل السجن لا
ليمكث فيه بعض الأيام، ولكن لينتظر السيف والقصاص، عندما يمسك بالقلم ويخط
الأحرف بمداد الندم ، وهو يتجرع غصص الموت قبل حلوله؛ ليرسل إلى أبيه وأمه
وزوجته رسالة يقول فيها كما قال غيره: (رفقاء السوء دمروا حياتي) أو يكتبها
بلهجته العامية، (حسبي الله عليهم شلة دهوروني)، فماذا يفيد الندم؟! وهل
ينفع العويل؟! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا شاب عمره عشرون سنة سافر إلى إحدى دول جنوب شرق أسيا وكان غنيًا، فأخذ
يتعاطى الهيروين ومكث قرابة السنة والنصف، فتخبط في الديون والأمراض
والخلاعة، فعلم أهله فأحضروه وبالقوة عالجوه وأدخلوه (مستشفى الأمل) فوجد
الراحة في العلاج، وبعد فترة طويلة خرج وإذا بزملائه الأشرار يتصلون به،
وفي أول جلسة له معهم أعطوه كمية من المخدر فتعاطاها فمات في ساعته.
إذًا بات من الواجب على كل أب أن يعرف من هم أصحاب أولاده بداية من المدرسة
والشارع، فيبعده عن السيئين ويحذره من الطائشين، ومن مصاحبة المدخنين حتى
ولو كانوا من أقرب الأقربين، فأكثر المدمنين كانت بدايتهم بهذا الشر
الوبيل، فإذا كانت الخمر هي أم الخبائث فإن الدخان هو أبوها.
إن مجالس يجلس فيها الشباب على الدخان ولعب الورق والدش هي بوابة المخدرات،
وإن بعض هذه المجالس يحدثنا شاهدٌ من أهلها، أن بعض الشباب فيها تجاوزا
الدخان بل الشراب فهو موضة قديمة، فأصبحوا يلفون فيها الحشيش على هيئة
السجائر، ويضعون الحبوب المخدرة في أكواب الشاي، ويوقعون بقية القطيع في
حبائل المخدرات، لذا أصبحنا نرى كثيرًا من الشباب يعقون أمهاتهم، ويتمردون
على آبائهم، ويفشلون في دراستهم، والسبب صحبة السوء لكن الخافي سيظهر مهما
طال الزمن، والكذب حبله قصير، فما هي إلا أيام ويعرف الأب أن ابنه متعاط
للمخدرات ولكن متى؟ بعد فوات الأوان.
فاحذر أيها الأب، لا تزكي ابنك، ولا تقل إنه من الصالحين، فكم رأينا ونرى
ممن كانوا طيبين مسالمين أصبحوا فسقه مجرمين، والسبب: الرفقاء السيئين.
تعالت الصيحات: أدركوا الشباب من جحيم المشكلات والمخدرات، بعضهم يريد أن
يتوب ويرجع ولكن ثمة عقبات أولها: الشيطان الذي يسول، ثم المروَّج الذي
يموَّل، الذئب البشري قاطع طريق الحياة الهنيئة، ثم رفقاء السوء المدمنون
لهذه السموم، يغرون هذا المسكين وربما أعطوه المخدرات دون مقابل لكي لا
يهرب من القطيع، وربما لديهم عليه مماسك يهدَّدونه بها فيعيش معذبًا تلسعه
حرارة المعصية والإجرام، وتفتك به الوساوس والأوهام، ويظل ضعيفًا من كل جهة
لا يصارح أحدًا لا أبًا ولا أخًا ولا أهل خير لينقذوه من براثن الشر.
تبعثرت كلماتي
لمن سأفضي شكاتي
أرى الحياة أمامي
غريبة عن حياتي
أعيش في الكون ما لي
حول سوى نظراتي
في الليل أبكي وأخفي
عند الضحى عبراتي
الناس تحقر حزني
لما رأوا من ثباتي
وما دروا أن قلبي
تلوكه حسراتي
فاضت دموعي لتبدي
محطم الأمنيات
يا قوم ما بي قنوطٌ
ما زلت أسمو بذاتي
رحماك إني حسير
أرجو إلهي نجاتي
الحمد لله قلبي
ما مات قبل مماتي
إذًا ضعف الوازع الديني ورفقاء السوء هما أهم أسباب الانحراف والضياع
وتعاطي المخدرات، لذا تحدثت عنهما وأطلت فيهما، وهناك أسباب أخرى سأذكرها
على سبيل الإيجاز لعدم الإطالة في الكتاب وهي:
السبب الثالث: الفراغ وعدم العمل، فإن الفراغ قاتل كما يقال، والوقت كالسيف
إن لم تقطعه قطعك، فإذا عاش الإنسان بدون عمل يشغل وقته وعقله ويشبع نفسه؛
فإن الأفكار تأتيه من كل مكان، وتهديه نفسه الأمارة بالسوء إلى المخدرات.
السبب الرابع: الغنى وتوافر المال، فإن بعض الآباء قد أغدقوا على أبنائهم
وفتحوا لهم باب الحياة على مصراعيه، ولسان حالهم بل مقالهم «اطلب تجد»
فزرعوا في نفوس أبنائهم حبَّ الراحة والكسل والدعة، فليس لديهم مجال للعمل
أو التفكير أو الصبر على نكبات الدهر، فكل شيء متوافر، وبطبيعة الحال فإن
ما أتى براحةٍ وسكونٍ سيضيع بسرعة؛ لأن الإنسان لم يتعب عليه، ولم ينزل
عرقه على جبينه في سبيل الحصول عليه، ولهذا تجد أمثال هؤلاء الشباب
المترفين إذا توافر المال لديهم صرفوه في غير وجهه المشروع، فالبداية
بالدخان ثم المخدرات، وصدق من قال:
إن الفراغ والشباب والجده
مفسدة للمرء أي مفسده
السبب الخامس بعكس السابق وهو الفقر وقلة المال، فإن النفس تتوق إلى الراحة
وتوافر المال وامتلاك ما يملكه الناس، وتهرب من الحاجة إلى الخلق، فهي
مُرة كالعلقم، لذلك بعض الشباب يسعى جاهدًا للحصول على المال ليهرب من
الفقر ومد اليد، فيهديه أحيانًا شيطانه إلى الطرق المنحرفة ومنها المتاجرة
بالحبوب المخدرة لا سيما وهو يسمع من أصدقاء السوء أن صفقاتها بالآلاف بل
بالملايين، فينجرف في تيار هذه السموم علَّه أن يكون غنيًا كغيره.
السبب السادس: حبُّ الاستطلاع، والإنسان بطبعه يحب التطلع والكشف عن
المجهول، وبعض الشباب قد ملّ من حياته لأسباب كثيرة، فيحب أن يجرَّب مذاق
الحبوب المخدرة وما هي اللذة التي يحكي عنها أصحابه المدمنون، فلمَ لا يأخذ
حبةً فإذا فعل اشتاقت نفسه إلى غيرها، ثم يوهم نفسه بعد ذلك أنه لا يستطيع
تركها فيتولع بها ولا يفيق إلا إذا وقع الفأس في الرأس، ويندم ولات ساعة
مندم، ثم إذا لم يتدارك نفسه فإنه يهوي كما هوى غيره.
السبب السابع: القنوات الفضائية التي تبث الشر ولا تتورع عن عرض الحرام
وتحبيبه للمشاهد لا سيما الدخان، ويجعلون منه بلسم الحياة ومفتاح السعادة
عن طريق الإعلانات التجارية وغيرها، فيسمع الشاب ويشاهد ويحاول الاقتناء،
بل إن بعض القنوات فيها شرب للخمور صراحة دون خوف من الله، فالكأس ممتلئ
وصرعى الهوى بجواره يتحادثون كالبهائم من أثر السكر، ولا حول ولا قوة إلا
بالله.
السبب الثامن: التقليد الأعمى للغرب، فإن بعض الشباب يرى أن كل ما أتى به
الغرب الكافر هو الحضارة وغيره تخلف ورجعية، فيتلقفون كل جديد حتى لو كان
غير مفيد، فأدى ذلك إلى الانفتاح والجري وراء الموضة ومحاكاة الغرب فيما
يفعلونه من مآكل ومشارب وملابس وأمور حياتية دون تمحيص للنافع منها والضار،
لذلك تورط بعض الشباب في هذه الفتنة العصرية (المخدرات) تقليدًا لغيرهم،
فيا للأسف.
السبب التاسع: السفر إلى الخارج دون قيود وضوابط، فهم يسمعون عن الانفتاح،
ويسمعون عن الحرية الزائفة التي هدمت أخلاق الكثيرين، وأضعفت وازعهم
الديني، فذهبوا لا لحاجة ولكن بحجة السياحة، فأخذوا يشربون الخمور ويحسبون
أنه لا يراهم أحد، ونسوا أن الله مطلع عليهم يعرف خفاياهم.
لذلك قيَّد أهل العلم جواز السفر إلى الدول الكافرة خاصة بشرطين: أحدهما:
أن يكون السفر لحاجة ضرورية لا توجد في بلاد المسلمين كدراسة علم معين أو
طلب علاج ونحو ذلك.
والثاني: القدرة على إظهار دين الإسلام والدعوة إليه، وأما من علم من نفسه
الضعف وعدم الصمود أمام الشهوات والشبهات فلا يجوز له السفر.
السبب العاشر: الرغبة في النشاط والسهر للمذاكرة أو غيرها، فيلجأ بعض
الشباب – هداهم الله – إلى العقاقير التي تجلب النشاط وتقوي الذاكرة
بزعمهم، وهي في الحقيقة قد تعطي نشاطًا لكنه مؤقت، ثم يعقبه الإرهاق والتعب
المستمر، وقد تجرهم هذه الحبوب إلى غيرها فتتنوع في شكلها وقوتها إلى أن
يتعاطى الشباب المخدرات ويدمن عليها، والعامل المساعد في ذلك هو رفقاء
السوء.
السبب الحادي عشر: سوء التربية وعدم رقابة الأب لأولاده، مما يجعلهم في
حياة معزولة عن أبيهم يفكرون وينفذون، وإذا فعلوا لا أحد يسأل عنهم، لذلك
قيل: من أمن العقوبة أساء الأدب، فالأب في تجارته وأعماله، والأم مشغولة
بالزيارات، والولد يتجرأ على الانفلات والهروب من المدرسة ومصاحبة الشباب
السيئين، فيصبح هؤلاء الشباب هم الأب وهم الأم، فيقع في أحضان لا تعرف
الحنان ولا الرحمة.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
همَ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم الذي تلقى له
أُمًا تخلت أو أبًا مشغولاً
السبب الثاني عشر: كون الأب قدوة سيئة لأولاده، فهذا من أكبر الوسائل
المعينة على الانحراف، فإن الولد يحاول منذ صغره أن يحاكي أفعال والده،
فيتعلم من والده الكذب، ويتعلم عدم المبالاة وربما ترك الصلاة وربما شرب
الدخان، وينتهي به المطاف إلى التعلق بالمخدرات، فالأب مثالٌ يحتذي به
الولد، فلينتبه كل أب إلى أن كل ما يفعله مأخوذ في الاعتبار من قبل ولده،
فليتق الله فيه.
السبب الثالث عشر: القسوة على الأولاد قسوة مفرطة وحرمانهم من كل شيء،
فالولد لديه طاقة لا بد أن يفرغها مع مراقبته في كيفية التفريغ، ولكن حينما
تحبس هذه الطاقة فإنها ستكون كامنة لا تظهر إلا متأخرة، وعندها ستنفجر عند
التفريغ، لذلك نرى ونشاهد الأولاد المحرومين والمكبوتين هم أعق الأولاد
لآبائهم عندما يكبرون، وسيمارسون كل شيء حتى ولو كان محرمًا ولو لأجل
العناد.
نعم القسوة أحيانًا مطلوبة، والشدة مرغوبة، ولكن بضوابط.
قسا ليزدجروا ومن يك حازمًا
فليقسُ أحيانًا على من يرحمُ
أما إذا خرجت عن حدها فإنها تكون مدمرة، ومن أعظم القسوة شجار الوالدين
أمام أطفالهما مما يولد مشاكل نفسية لديهم لا تحمد عُقباها في المستقبل،
وبعض من تعاطوا المخدرات يعزون ذلك إلى قسوة آبائهم عليهم في الصغر.
السبب الرابع عشر: التفكك الأسري والاضطراب العائلي، فأسرة مشتتة تستيقظ
على الخلافات والمشاكل، وتنام عليها كفيلة بضياع أفرادها، فولدٌ يتشاجر مع
أبيه، وبنتٌ منذ سنوات لا تكلم أمها، وأخ قد هجر أخاه، وإذا اجتمعوا اجتمع
الجزار والسكين والضحية، فكيف يكون حال الأولاد وهم يرون الشتات والفوضى،
فإنهم سيشربون من هذا المستنقع العكر، وسيلجؤون إلى البحث عن السعادة في
غير هذه البيئة، وبالتالي سيتعاطون الدخان والمخدرات، فالتفكك الأسري بوابة
إلى الإدمان.
الخامس عشر: تهاون بعض الدول والأفراد في قضية المخدرات، والسكوت على
المتعاطين والمروجين بدافع العطف أو التستر عليهم لكونهم من الأقارب أو
الأصحاب، وما دروا أنهم رأس الشر والفساد والجرائم بأنواعها، وكذلك عدم فرض
العقوبات الصارمة والقوية على المروجين مما يتيح لهم الفرصة لإفساد الشباب
والمتاجرة بالأخلاق والأعراض والأنفس.
الأسباب كثيرة هذه بعضها، فلا بد أن نتجنبها ونضع الوسائل للقضاء عليها، وهذا واجب على الجميع، كلٌّ بحسب قدرته وإمكاناته.
إلى متعاطي المخدرات
توبوا إلى الله يا من تتعاطون المخدرات، فأنتم ترون ضررها واضحًا في
أنفسكم، وآثار دمارها جلية في حياتكم، والله ميزكم عن سائر مخلوقاته بالعقل
فكيف تخدرونه بالمخدرات؟ وتخمرونه بالخمر؟ واعلموا أنكم محاسبون أمام الله
عن إضراركم بأنفسكم والإلقاء بها إلى التهلكة، وتفريطكم في أموالكم،
وتفلتكم من المسؤولية الملقاة على عواتقكم، وإضاعتكم للأمانة التي بها
كلفتم، فأغضبتم ربكم وتساهلتم في وعيد رسولكم، يقول (: «إن على الله عز وجل
عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: وما طينة الخبال؟
قال: عصارة أهل النار» أي عرقهم وصديدهم [رواه مسلم] وقال: «من مات وهو
مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن». [رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع].
وقال: «من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، وإن مات دخل
النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين
صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد فشرب فسكر لم
تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه،
وإن عاد كان حقًا على الله أن يسقيه من رَدَغة الخبال يوم القيامة، قالوا:
وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وقال: «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة». [رواه مسلم].
وقال: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر في أهله الخبث» [رواه أحمد وغيره].
يا شباب، يا من أسرفتم على أنفسكم، لا زالت الفرصة سانحة، والباب مفتوحًا،
فلا تقنطوا من رحمة الله، وليكن قدوتكم سلفكم الصالح الذي ضربوا أروع
الأمثلة في ثبات النفس ورباطة الجأش أمام الشيطان والشهوات.
رحم الله عبد الله بن حذافة السهمي لما أمسك به قيصر الروم وساومه على أن
يتنصر أو يموت، فقال: أموت ولا أتنصر، أدخلوه السجن وضيقوا عليه ومنعوا عنه
الطعام ثلاثة أيام حتى برزت أضلاعه، ثم قدموا له الخمر لكي يشربها ليشتموا
به وبالإسلام فأبى أن يشربها رغم اضطراره إليها، والضرورة لها أحكامها،
طلب الموت في عز، ورفض الحياة في ذل الخمر، باع الحياة رخيصة طلبًا للجنة
الغالية، فيا له من علو، ويا له من سمو، فانظروا واعتبروا.
وهذا عروة بن الزبير أصابته الآكلة في قدمه فأشاروا عليه أن يقطعها فقال:
اصبر واحتسب، فاستفحل الداء فقالوا: تقطع الساق، فقال: اصبر، فبلغ به الألم
منتهاه وانتقلت الآكلة إلى ما تبقى من رجله فقالوا: تقطع من الفخذ وإلا
سيموت، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قالوا: نسقيك خمرًا حتى تغيب عن
وعيك، ويخف عليك الألم، فزأر في وجوههم كالأسد: كلا والله لا أشربها وقد
حرمها الله، ولكن إذا صليت واتصلت بربي وخلفت الدنيا ورائي فافعلوا ما
تشاؤون، وفعلاً اتصل بربه وناجى خالقه وتعلق بجنته والقوم قد أبرزوا
مناشيرهم وسكاكينهم، فلما سجد قطعوا رجله فغاب عن وعيه. فرحمك الله يا
عروة، يا من تمسكت بأوثق عروة، وجعل الله صنيعك في ميزان حسناتك، وسقاك من
خمر الجنة، فتأملوا يا شباب، ولتكن قصة عروة لكم خير عتاب.
وهذا أبو محجن الثقفي كان يشرب الخمر فيؤتى به إلى سعد بن أبي وقاص فيجلده
عليها، ويقيم الحد عليه، ثم ذات يوم خرجوا للقتال إلى معركة القادسية فعاقب
سعدٌ أبا محجن بأقسى عقوبة، أتدرون ما هي؟ منعه من القتال والاستشهاد في
سبيل الله فيا للعجب! ربطه في خيمة حتى ينال عقابه لكن نفسه تتوق إلى
الجهاد، فرحمته سلمى زوجة سعد، فحلت وثاقه بعد أن أقنعها بقوله: إن أنا مت
استرحتم مني، وإن حييت رجعت إلى القيد والحبال، وفي يوم المعركة وعك سعد
ولم يستطع القتال فلم يشارك في الغزو، فامتطى الثقفي فرس سعد واسمها
(البلقاء) وأبلى في المعركة بلاءً حسنًا حتى إن سعدًا ليراه ويثني عليه
وعلى قتاله وهو لم يعرفه، وبعد المعركة عرفه فقال له: لن أجلدك بعد اليوم،
بعد ما رأيت من بلائك وشجاعتك، فقال الثقفي: يا سعد، والله إني كنت أشرب
الخمر فتجلدني وتطهرني، أما وقد امتنعت عن جلدي وتطهيري ، فوالله لن تدخل
الخمرة فمي، يقول سعد: (الكرَّ كَرُّ البلقاء ، والضرب ضربي أبي محجن)
فرحمك الله يا أبا محجن، فلم تكن الخمرة خندقًا يحاصرك، هزك الإيمان فكنت
أسدًا مقدامًا، اتعظوا يا شباب الإسلام.
أخي المتعاطي:
إن المدمنين الذين تقتدي بهم يعترفون بأضرار المخدرات، ويصفون الويلات
بعدما تعاطوها، فكيف تبحث أنت عن السكين بيدك، وتسعى لها سعيًا بقدمك، ومن
سمع ليس كمن عاين، وليس من عاين كمن جرب.
يقول أحدهم: الإدمان حلقة مفرغة ليس بداخلها سوى العذاب والحرمان والوحدة
واحتقار الذات، وفي كثير من الأوقات كنت أحسد الحيوانات على طبيعتها لأنني
لم أعش حياة طبيعية بل عشت عبدًا للمخدرات.
يا جرعة الموت تجرى بين أوردتي
كل الشياطين تجثو في شراييني
يا جرعة الألم المحموم في جسدي
يا دفقة الدم يا بتر السكاكين
الذل ذقته من بعد فتنتها
كأنما الذل أضحى بعض تكويني
المال في هلك والعرض في دنسٍ
والرأس في نكسٍ والداء يرديني
شريتها وأوردتني عند سطوتها
سوق النخاسة أشريها وتشريني
ما بين صحبة سوء قد غرقت بهم
في وحل مفسدة في القيد تبقيني
وبين خوف كجنح الليل منسدل
أرى به السيف كالأشباح تأتيني
ماذا تريد يا أخي من الخمور؟ وماذا ستجنيه منها غير الشرور؟ أتريد أن تكون
مجرمًا سفاكًا للدماء؟ أو صعلوكًا منتهكًا للأعراض؟ أو أرضًا خصبة للأمراض؟
أو معرضًا كرامتك ومروءتك للإجهاض؟ أيعجبك حال الذين زنوا بأمهاتهم
وبناتهم! أم يرضيك ما فعله ذاك الرجل المدمن حيث أخذ السكين وأضجع زوجته
وذبحها أمام أطفالها ذبح الخراف في شهر ربيع الآخر 1423هـ حيث أطلق الرصاص
على والده الطاعن في السن في مزرعته بعد أن وطأ البر تحت أقدامه، وجعل
العقوق في ميزانه، أم تحب أن تكون نهايتك سيئة، فوالله إنك ميت وإنهم
ميتون، وبين يديك ويديهم يتدلى حبل المنون.
تفت فؤادك الأيام فتًا
وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق
ألا يا صاح أنت أريد أنت
وليس الموت هو النهاية، وليس الانتحار هو الخلاص، إنما هناك حساب وعقاب.
ليس من مات فاستراح بميتٍ
إنما الميت ميت الأحياءِ
نهايات مؤسفة لبعض المدمنين
نقل ابن رجب عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: حضرت رجلاً عند الموت يلقن
الشهادة قل: لا إله إلا الله فقال في آخر ما قال: إني كافر بما تقول، ومات
على ذلك قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر.
ويروي القرطبي عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني وكان عابدًا بالبصرة يقول: قيل لرجل يحتضر قل: لا إله إلا الله فقال: اشرب واسقني.
يقول أحد أهل العلم: ذهب رجل إلى إحدى بلاد الغرب الإباحية وكان عمره يزيد
عن ستين سنة، فاستأجر غرفة في أحد الفنادق وأخذ يعب من الخمر عبًا، ففي
اليوم الأول شرب ست قوارير ثم أتبعها ثلاثًا، ثم ألحقها باثنتين حتى شعر
بالامتلاء، وأحس بوضع غير طبيعي، فذهب إلى دورة المياه لكي يتقيأ فسقط هناك
ولما طال المكث، طرقوا عليه الباب ثم فتحوه فوجدوا الرجل ميتًا في أخس
مكان، وإذا برأسه في مصرف المياه والنجاسات، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
يقول الذهبي في كتابه الكبائر: سئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال: كنت
أنبش القبور فرأيت فيها أمواتًا مصروفين عن القبلة فسألت أهليهم فقالوا:
كانوا يشربون الخمر في الدنيا وماتوا من غير توبة.
وقال بعض الصالحين: مات لي ولد صغير فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام
وقد شاب رأسه فقلت: يا ولدي، دفنتك وأنت صغير فما الذي شيبك؟ فقال: يا أبتي
دفن إلى جانبي رجل ممن كان يشرب الخمر في الدنيا، فزفرت جهنم لقدومه زفرة
لم يبق منها طفل إلا شاب رأسه من شدة زفرتها، نسأل الله السلامة والعافية.
وها هم أربعة من الشباب، كانوا يعملون في دائرة واحدة، مضت عليهم سنون وهم
يجمعون رواتبهم، فإذا سمعوا ببلد به الفجور طاروا إليها، وبينما هم في ذات
يوم جالسين إذ سمعوا ببلاد لم يذهبوا إليها، وعقدوا العزم أن يجمعوا
رواتبهم هذه المرة ليسافروا إلى تلك البلاد التي حددوها.
وجاء وقت الرحلة وركبوا طائرتهم ومضوا إلى ما يريدون، ومر عليهم أكثر من
أسبوع في تلك البلاد وهم بين زنى وخمور، وفعال لا ترضي الرحمن، وبينما هم
في ليلة من الليالي، وفي ساعة متأخرة من الليل، يجاهرون الله تعالى
بالمعصية والفجور، نعم بينما هم في غمرة اللهو والمجون إذ بأحد الأربعة
يسقط مغشيًا عليه، فيهرع إليه أصحابه الثلاثة فيقول له أحدهم في تلك الليلة
الحمراء:
يا أخي، قل لا إله إلا الله، فيرد الشاب – عياذًا بالله – إليك عني، زدني
كأس الخمر وتعالي يا فلانة، ثم فاضت روحه إلى الله وهو على تلك الحال
السيئة، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ثم كان حال الثلاثة الآخرين لما رأوا صاحبهم وما آل إليه أمره أنهم أخذوا
يبكون، وخرجوا من المرقص تائبين، وجهزوا صاحبهم وعادوا به إلى بلادهم
محمولاً في تابوت، ولما وصلوا المطار فتحوا التابوت ليتأكدوا من جثته وإذا
بوجهه أسود بعد أن كان أبيض، فاعتبروا يا أهل الإدمان ما دام في الأمر مهلة
وإمكان، نسأل الله حسن الختام.
إلى من يهمه الأمر
إلى الغيورين ... وإلى المسؤولين ... وإلى أهل العلم والحسبة ورجال الهيئات
... وإلى الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والزوجات ... وإلى المسلمين
جميعًا، أنقذوا الشباب من بطش المخدرات، وارحموهم من فتك المسكرات، وخذوا
على أيديهم قبل الندامة والحسرات، فاليوم سيجارة ثم خمر ثم حبوب مخدرة ثم
حشيش ثم إبر، ثم أزمة مالية ونفسية وصحية، وجرائم أخ